لقاء ترامب ونتنياهو: هل يُنهي الحرب في غزة أم يُشعل مرحلة جديدة من التوتر؟
سياق الحرب في غزة: 18 شهرًا من الدمار
بدأت الحرب الحالية في غزة في السابع من أكتوبر 2023، عندما شنت حركة حماس هجومًا مفاجئًا على إسرائيل، أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص وأسر 251 رهينة. ردت إسرائيل بحملة عسكرية واسعة النطاق، أدت إلى مقتل أكثر من 50,750 فلسطينيًا، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية في القطاع. وبعد مرور 18 شهرًا، تحولت غزة إلى رمز للمعاناة الإنسانية، مع حصار إسرائيلي مشدد منع دخول المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
في هذا السياق، عاد دونالد ترامب إلى السلطة بعد فوزه في انتخابات 2024، حاملًا وعودًا بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط. ترامب، الذي اشتهر خلال ولايته الأولى (2017-2021) بدعمه القوي لإسرائيل، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأيد توسع المستوطنات، وأطلق خطة "صفقة القرن" التي أثارت جدلًا واسعًا. لكنه أيضًا دعا مرارًا إلى إنهاء الحرب في غزة بسرعة، معتبرًا أن استمرارها يضر بصورة إسرائيل عالميًا.
لماذا التقى ترامب ونتنياهو الآن؟
لقاء ترامب ونتنياهو لم يكن مجرد زيارة دبلوماسية روتينية، بل جاء في توقيت حساس للغاية. هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء هذا الاجتماع:
أولًا: قضية الرهائن.
لا يزال 59 رهينة إسرائيليًا محتجزين في غزة، وهناك ضغط داخلي هائل على نتنياهو لإعادتهم. عائلات الرهائن نظمت مظاهرات واسعة في إسرائيل، مطالبة بصفقة تبادل مع حماس. ترامب، الذي أكد خلال اللقاء على أهمية إعادة الرهائن، يبدو أنه يريد أن يظهر كوسيط قوي قادر على حل هذه الأزمة، مما يعزز صورته كزعيم عالمي.
ثانيًا: التوترات الاقتصادية.
نتنياهو جاء لمناقشة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات الإسرائيلية بنسبة 17%. هذه الرسوم أثارت قلق إسرائيل، التي تعاني من ضغوط اقتصادية بسبب تكاليف الحرب. لكن ترامب لم يلتزم بإلغاء هذه الرسوم، مما أثار خيبة أمل في الأوساط الإسرائيلية، وأظهر أن الأولويات الاقتصادية لترامب قد تتعارض مع مصالح إسرائيل.
ثالثًا: التهديد الإيراني.
خلال اللقاء، أعلن ترامب عن بدء مفاوضات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي، محذرًا من أن فشل هذه المفاوضات سيضع إيران في خطر كبير. نتنياهو، الذي يعتبر إيران التهديد الأكبر لإسرائيل، أبدى دعمًا حذرًا لهذه الخطوة، مؤكدًا أن الهدف المشترك هو منع إيران من امتلاك سلاح نووي. هذا الملف يُظهر أن اللقاء لم يكن مقتصرًا على غزة، بل شمل قضايا إقليمية أوسع.
هل يمكن أن ينهي ترامب الحرب؟
خلال اللقاء، قال ترامب إن الحرب في غزة "ستتوقف في المستقبل القريب"، لكنه لم يقدم تفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك. نتنياهو، من جانبه، أكد التزام إسرائيل بإعادة جميع الرهائن والقضاء على حماس، وهي أهداف تبدو بعيدة المنال في ظل الوضع الحالي. هناك عقبات كبيرة تحول دون إنهاء الحرب:
- الضغوط الداخلية على نتنياهو: نتنياهو يواجه معارضة شديدة من ائتلافه اليميني المتطرف، الذي يرفض أي صفقة تشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار. أي تنازل قد يهدد استقرار حكومته.
- مطالب حماس: الحركة تطالب بانسحاب إسرائيلي كامل من غزة ورفع الحصار كشرط لأي اتفاق، وهي شروط ترفضها إسرائيل حتى الآن.
- الوضع الإنساني: الحصار الإسرائيلي منع دخول المساعدات إلى غزة لأسابيع، مما أثار انتقادات دولية واسعة. منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة اتهمت إسرائيل بانتهاك القانون الدولي، مما يزيد الضغط على ترامب للتدخل.
ترامب لديه تاريخ في التوسط في اتفاقيات كبرى، مثل اتفاقيات إبراهيم التي عززت العلاقات بين إسرائيل ودول عربية. لكن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أكثر تعقيدًا. بعض المحللين يرون أن ترامب قد يضغط على نتنياهو لقبول صفقة تشمل وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن، لكنه قد يمنح إسرائيل أيضًا حرية أكبر في عملياتها العسكرية، كما فعل في ولايته الأولى.
ماذا عن الوضع الحالي في غزة؟
بعد 18 شهرًا من الحرب، أصبحت غزة منطقة منكوبة. الدمار الواسع، الفقر، والبطالة جعلت الحياة هناك لا تُطاق. الحصار الإسرائيلي أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء، وأطفال غزة يعانون من سوء التغذية وسط ظروف إنسانية كارثية. في الوقت نفسه، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية، بينما تُطلق حماس صواريخ متفرقة، مما يُبقي الصراع في حلقة مفرغة.
التوقعات: السلام أم التصعيد؟
لقاء ترامب ونتنياهو يعكس توازنًا دقيقًا. من ناحية، ترامب يريد أن يظهر كزعيم قادر على إنهاء الصراعات، خاصة بعد وعوده الانتخابية. من ناحية أخرى، دعمه التقليدي لإسرائيل قد يجعله مترددًا في الضغط بقوة على نتنياهو. في الوقت نفسه، نتنياهو يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية تجعل من الصعب عليه تقديم تنازلات كبيرة.
السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن يدفع ترامب نحو صفقة مؤقتة تشمل تبادل الرهائن بوقف إطلاق نار محدود، لكنه لن يتمكن من حل الصراع الجذري بين إسرائيل والفلسطينيين. إذا فشلت المفاوضات، فقد نشهد تصعيدًا جديدًا، خاصة إذا استمر الحصار على غزة أو تصاعدت التوترات مع إيران.
الخلاصة
لقاء ترامب ونتنياهو قد يكون خطوة نحو تهدئة مؤقتة، لكنه بعيد عن تحقيق السلام الدائم. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أعمق من أن يُحل بلقاء واحد، خاصة في ظل الانقسامات السياسية والإنسانية المستمرة. بينما يعاني سكان غزة من ويلات الحرب، يبقى الأمل معلقًا على قرارات القادة. هل سيكون ترامب صانع السلام الذي وعد به؟ أم أن المنطقة على موعد مع مرحلة جديدة من التوتر؟ الإجابة قد تتضح في الأشهر المقبلة.
🔔 لا تنسَ الاشتراك في القناة وتفعيل زر الجرس ليصلك كل جديد.
لا انسو متابعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي